السبت، 7 فبراير 2009

اطلاق سراح وثائق هيمنجواى





أطلقت الحكومة الكوبية 3000 وثيقة غير منشورة للكاتب الأميركي الراحل آرنست همنغواي، بعد أن ظلت هذه المادة محفوظة طوال 45 عاماً في متحف مزرعة فيخيا في هافانا، حيث عاش همنغواي طوال سنوات إقامته في كوبا. ووضعت السلطات الكوبية الوثائق على شبكة الإنترنت منذ مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، وبذلك أصبح بإمكان الدارسين لأعمال مؤلف «وداعا للسلاح» و{الشيخ والبحر» الاطلاع عليها.
في المقابل يحتفل العالم بالذكرى السبعين لنهاية الحرب الأهلية الإسبانية التي شارك فيها همنغواي، ربما علينا هنا التركيز على غرام همنغواي بالجزيرة الكوبية، وعلاقته بالحرب وإسبانيا ومصارعة الثيران. أوجه كثيرة يتمتع بها صاحب «الشيخ والبحر» و{لمن تقرع الأجراس»، نتعرّف عليها من خلال متحفه وحياته الخاصة ورواياته ونسائه وهواياته. وتحتوي المذكرات، الوثائق، على رسم يوضح أن وزن همنغواي ما بين عامي 1942
و 1953 كان مثالياً، ما يدلّ على اعتنائه بصحته وشغفه بالرياضة واهتمامه بعلم الإحصاء.
بدأت عائلة الكاتب الأميركي مشروعاً آخر بعنوان «وثائق همنغواي»، وهو عبارة عن جمع نحو 6000 أو 7000 وثيقة للروائي المعروف في 12 كتاباً ونشرها العام الجاري. وأعلنت رئيسة المشروع ساندرا سبانيير، أستاذة في جامعة بنسلفانيا، أن هذه الوثائق توجد في أكثر من 75 مكتبة وأرشيفاً فضلاً عن 40 مجموعة خاصة.
يتوجّه الفضوليون من السياح إلى البيت الذي ظل يسكنه همنغواي لأكثر من 20 عامًا «فينكا فيجيا» (مزرعة فيجي)، بالقرب من العاصمة هافانا. منزل كانت زوجته اشترته عام 1940. ثم انتقل إلى يد الحكومة بفضل هبة من العائلة، وأصبح في ما بعد، متحفًا. وأحد أبرز محتوياته آلة الكتابة التي وُضعت على ارتفاع يناسب رجلاً قويّ البنية اعتاد على الكتابة وهو في وضعية الوقوف. وعلى الجدران علِّقت لوحات وتذكارات الصيد إلى جانب آلاف الكتب. فضلاً عن زجاجات معبّأة بالخمر في «حانة البيت»، للإشارة إلى الزمن المتوقّف.
مغامرات
كانت حياة همنغواي مليئة بالمغامرات، إذ عمل بدايةً كصحافي ثم تقدّم بطلب للانضمام إلى الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الأولى، لكنه عمل سائق سيارة إسعاف إلى أن تلقّى إصابة وتوقّف عن العمل. وتابع العمل كمراسل خارجي لصحيفة «تورونتو ستار» وغطى أحداث الحرب الأهلية الإسبانية وتنقّل بين فرنسا وأميركا وإسبانيا، وأحبّ المغامرة والاكتشاف فقام برحلات إلى القارة الأفريقية، وتنقّل بحثاً عن مواقع الحروب أو الأماكن الخطرة ليغطّي الأخبار فيها.
من يطالع سيرة حياة همنغواي يجد أنها تشبه مصارعة الثيران، كان يعشق الأخيرة كرياضة ويعتبرها نموذجاً على مواجهة الإنسان للخطر وتحديه الموت بالاقتراب منه. تجمعت خصال كثيرة في شخصية الكاتب: عصبيته وتعطّشه للحياة وحبه للجدل والنقاش وعشقه لتناول الطعام وإسرافه في شرب الخمر... تلك الطبائع كلها جعلته محط الأنظار والانتقاد من الجميع، فهاجمه عشاق الطبيعة لأنه كان يعشق صيد الغزلان والأسود والحيوانات البرية الأخرى مثل وحيد القرن. ويتهمه دعاة السلام بأنه من مؤيدي الحروب، لأنه شارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939). حتى أنه لم ينأ بنفسه عن أي نزاع مسلح، فقد أسس في باريس عام 1944 وحدة مقاومة ضد الاحتلال النازي الهتلري، لكنه لم يكن جندياً مقاتلاً في الصفوف الأولى، بل موفداً خاصاً لتغطية تلك المعارك. في الوقت نفسه كانت له آراء واضحة في الحرب، فقد كتب «لا تعتقد أبداً أن الحرب ليست جريمة، حتى وإن كانت للحرب مبرراتها».
أمضى همنغواي عام 1958 بصحبة مصارعي الثيران من المقربين إليه، وفي حينها طلبت منه مجلة «لايف» الأميركية كتابة موضوع حول مصارعة الثيران لا تزيد كلماته على خمسة آلاف كلمة، لكنه كتب الموضوع بـ 125 ألف كلمة، وعلى رغم تردد المجلة في نشره عادت ونشرته كاملاً عام 1960 وانتهى همنغواي في العام نفسه من كتابة روايته «عيد متنقل» التي لم تُنشر في حياته، وكانت آخر أعماله.‏
وجد الروائي الأميركي في مصارعة الثيران فرصة سانحة لدراسة لعبة بسيطة قاسية وحشية تشمل ثلاثة فصول تنتهي بالموت. وكان يرى أن الموت من أبسط المواضيع التي يجوز للمرء الكتابة عنها. وظن أنه حين يرى الموت فقد «يعمق حسه بالحياة والموت»، أي يحقق المعاينة الدقيقة التي كان يهدف إليها في كتاباته كافة. تميز أسلوبه بالبساطة والجمل القصيرة، وترك بصمة واضحة في الأدب الأميركي، وتميزت شخصياته بقدرتها على الصبر وتحمّل المصاعب دونما شكوى، لتعكس من ثمّ طبيعة همنغواي الشخصية.
أكبر سمكة
نال آرنست همنغواي جائزة «بوليتزر» الأميركية في الصحافة عام 1953، وجائزة «نوبل» في الأدب عن روايته «العجوز والبحر»، وكتب «لمن تقرع الأجراس» التي يعتبرها فيدال كاسترو أعظم رواية عن الحرب الأهلية الإسبانية، والرواية التي وفّرت له ولمقاتليه «النظرة المعاصرة، وخبرة الكفاح غير المنظّم من وجهة النظر السياسية والعسكرية». عن هذا الكتاب يقول: «أصبح هذا الكتاب جزءاً أليفاً من حياتي. كنا دائماً نرجع إليه ونناقشه، ومنه كنا نستمد الإلهام»... الحماسة الثورية وإطلاق اللحى واستخدام السلاح وقراءة همنغواي مترجماً إلى الإسبانية في المرتفعات الكوبية هي أشدّ ما التصق بكاسترو وذاكرته الحادة. يقول البعض إن جزءاً من الهالة التي صنعت حول كاسترو هي علاقته بهمنغواي وماركيز، وإذا قلنا إن ثمة علاقة وطيدة بين كاسترو وماركيز، فإن ما يجمع همنغواي بكاسترو لا يتعدى لقطات عدة أخذت في مسابقات صيد السمك وأشهرها تلك التي يسلّم فيها الكاتب الأميركي الرئيس الكوبي كأس الفوز في اصطياد أكبر سمكة من الأطلسي ومنها نسخة في حانة همنغواي في قلب هافانا، الملقبة بـ{مهد» وهو مشروب من الرم والليمون والسكر يشربه فقراء كوبا، وكان لهمنغواي فضل ترويجه عالمياً، ويقول البعض إنك لن تتلذذ بطعمه، إلا إذا كنت بصحبة امرأة جميلة كصديقات همنغواي من كبيرات ممثلات هوليوود اللواتي كن يزرنه في تلك الحانة البسيطة تاركات الفنادق الفخمة على الأطلسي لزعماء المافيا الذين أحبوا بالوراثة كوبا جزيرة أجدادهم القراصنة.
في تلك الحانة أمام صورة الكاتب والزعيم السياسي، لا تدري بالضبط ما هو موقف همنغواي الحقيقي من ثورة كاسترو وغيفارا فقد ظل يعيش بينهما، لكنه لم يكتب حرفاً عما حدث في الجزيرة التي أحبها وسكنها مع القراصنة والمافيا والحسناوات لأكثر من ثلاثين عاماً وكتب فيها وعنها التحفة التي أوصلته الى جائزة نوبل.
كتبت مئات الصحف والمجلات يوم وفاته في 2 يوليو (تموز) 1961 عبارة «نهاية رجل عظيم» على صفحاتها الأولى بعد أن أطلق النار على نفسه من بندقية الصيد التي اصطاد بها مئات الوحوش والطيور، وكانت آخر رصاصاتها من نصيب الصياد نفسه آرنست همنغواي.‏ واليوم يحتفل العالم بالذكرى السبعين لتوقف الحرب الإسبانية، بينما اختفى كاسترو عن كرسي السلطة في كوبا، وبين الأخير وهمنغواي وكوبا والحرب الإسبانية خيط من الأسرار ربما يختصر أحداث القرن العشرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق